فصل: الأمير علي بك المعروف بالهندي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» **


 الأمير علي بك المعروف بالهندي

وهو مملوك أحمد بك تابع ايواظ بك الكبير جرجي الجنس تقلد الإمارة والصنجقية بالديار الرومية وذلك أنه لما قلد اسمعيل بك بن ايواظ أستاذ أحمد بك الصنجقية والإمارة على السفر إلى بلاد مورة في سنة 1127 عوضًا عن يوسف بك الجزار جعل عليا هذا كتخداه فلما توجهوا إلى هناك وتلاقوا في مصاف الحرب هجم المصريون على طابور العدو بعد انهزام الروميين فكسروا الطابور وأنهزم العدو وأستشهد أحمد بك أمير العسكر المصري‏.‏

فلما رجعوا إلى اسلامبول ذكروا ذلك وحكوه لرجال الدولة فأنعموا على علي الهندي وأعطوه صنجقية أستاذه أحمد بك وأعطوه مرسومًا بنظر الخاصكية قيد حياته زيادة على ذلك ورجع إلى مصر ولم يزل معدودًا في الأمراء الكبار مدة دولة اسمعيل بك ابن سيد أستاذه حتى قتل اسمعيل بك وأراد قتله محمد بك جركس هو وعلي بك الأرمني المعروف بأبي العدبات فدافع عنهما محمد باشا وقال أن الهندي منظور مولانا السلطان والأرمني أمين العنبر وناصح في بخدمته وضمن عائلتهما الباشا فاستمرا في إمارتهما‏.‏

فلما أستوحش جركس من ذي الفقار وجرد عليه وهو في كشوفية المنوفية هرب وحضر إلى مصر ودخل عند علي بك الهندي المذكور فأخفاه عنده خمسة وستين يومًا ثم أنتقل إلى مكان آخر والمترجم يكتم أمره فيه وجركس وأتباعه يتجسسون ويفحصون عليه ليلًا ونهارًا وعزل جركس محمد باشا وحضر علي باشا ودبروا أمر ظهور ذي الفقار مع عثمان كتخدا الغازدغلي و أحضروا إليهم المترجم وصدروه لذلك وأعانوه بالمال وفتح بيته وجمع إليه الايواظية والخاملين من عشيرتهم وكتموا أمرهم وثاروا ثورة واحدة وأزالوا دولة جركس كما تقدم‏.‏

وظهر أمر ذي الفقار وتقلد علي بك الهندي الدفتر دارية بموجب الشرط المتقدم وحضر محمد بك قطامش من الديار الرومية باستدعاء المصريين بتقليد الدفتر دارية من الدولة فلم يمكنه المترجم منها حتى ضاقت نفسه منه ووجه عزمه إلى ذي الفقار بك و ألح عليه وهو يعده ويمنيه ويأمره بالصبر والتأني إلى أن حضر المملوك الواشي وأخبر علي بك باجتماع مصطفى بك بن ايواظ وأبي العدب ومن معهم وذكر له ما قالوه في حال نشوتهم فلم يتغافل عن ذلك وقال لذلك المملوك‏:‏ أذهب إلى ذي الفقار بك فأخبره‏.‏

فذهب إليه فعرفه صورة الحال فأوقع بهم ما تقدم ذكره من قتلهم بيد الباشا وكان يظن مصافاة ذي الفقار له ويعتقد مراعاة حقه له وبهذه النكتة صار علي بك وحيدًا فطمع فيه العدو واختلى محمد بك قطامش بذي الفقار بك وتذاكر معه أمر الدفتر دارية وعدم نزول علي بك عنها وقال‏:‏ لابد من قتلي إياه فقال له ذو الفقار‏:‏ لا أدخل معك في دمه فإن له في عنقي جميلًا فإن كنت ولابد فاعلًا فأذهب إلى يوسف كتخدا البركاوي ورضوان أغا وعثمان جاويش القازدغلي ودبر معهم ما تريد ولكن أن قتلتم الهندي فلازم من قتل محمد بك الجزار وذي الفقار قانصوه‏.‏

فقال محمد بك قطامش‏:‏ أن ابن الجزار له في عنقي جميل فإنه صان بيتي وحريمي في غيابي كوالده من قبل فقال ذو الفقار بك‏:‏ وأنا كذلك أقمت في الاختفاء بمنزل علي بك وبغيره باطلاعه‏.‏

وأنحط الأمر بينهم على الخيانة والغدر وذهب محمد بك فأجتمع بيوسف البركاوي ومن ذكر وتوافقوا على ذلك‏.‏

فأحضر يوسف كتخدا البركاوي باش سراجينه وكلمه على قتل الهندي ووعده بالإكرام فأخذ معه في صبحها خمسة أنفار ووقف بهم عند باب العزب‏.‏

فلما أقبل علي بك في طائفته أبتكر ذلك السراج مشاجرة مع بعض السراجين وتسابوا فقيل لهم‏:‏ أما تستحوا من الصنجق فأخرج ذلك السراج الطبتجة وضربها في صدر الصنجق فنفذت الرصاصة من كمه وساق علي بك جواده إلى جهة المحجر وسار على باب زويلة وذهب إلى داره بحارة عابدين وحضر إليه طوائفه و أغراضه وأصحابه وامتلأ البيت والشارع وباتوا تلك الليلة وعند الفجر ركب محمد بك قطامش وحضر عند ذي الفقار بك فركب معه إلى جامع السلطان حسن البركاوي وباقي الأغوات فأرسلوا من طرفهم جاسوسًا إلى بيت الهندي فرجع وعرفهم بمن عنده فقال رضوان أغا‏:‏ أنا أذهب إليه وأحضره بحيلة إلى بيت ذي الفقار بك ويأتي أغات مستحفظان فيأخذه إليكم‏.‏

فركب رضوان أغا وأرسلوا إلى ذي الفقار بك قانصوه أتي عندهم أيضًا‏.‏

فلما دخل رضوان أغا على علي بك الهندي وجده شعلة نار فجلس معه وحادثه وخادعه وقال له‏:‏ بلغني أن ذا الفقار بك في بيتك خمسة وستين يومًا وبينك وبينه عهد وميثاق فقم بنا إلى بيته وهو ينظر السراج الذي ضرب عليك الطبنجة وينتقم منه ودع الجماعة ينتظرونا إلى أن نعود إليهم‏.‏

فطلب الحصان فأشار عليه كتخدا الجلفي بعدم الذهاب فلم يسمع وركب في قلة من أتباعه وصحبه مملوكان فقط وذهب مع رضوان أغا فدخل معه بيت ذي الفقار بك وتركه وسار ليأتي إليه بذي الفقار بك وذهب إليهم وعرفهم حصوله في بيت ذي الفقار‏.‏

فأرسلوا إليه أغات مستحفظان في جماعة كثيرة فدخلوا بيت ذي الفقار بك وأخذوا الحصان والكرك من عليه وقدموا له اكديشًا عريانًا فقام عثمان تابع صالح كتخدا عزبان الرزاز وأخذ كليمًا قديمًا فوق الاكديش وميل عليه وقال له‏:‏ هذا جزاء من يقص جناحه بيده‏.‏

وأركبوه عليه ذهبوا به إلى السلطان حسن‏.‏

فلما رآه ذو الفقار بك قال خذوا هذا أيضًا وأشار إلى ذي الفقار قانصوه وكان رجلًا وجيهًا ولحيته بيضاء عظيمة وعليه هيبة ووقار فسحبوهما مشاة على أقدامهما إلى سبيل المؤمن وقطعوا رؤوسهما ووضعوهما في تابوتين وذهبوا بهما إلى بيوتهما فما شعر الجماعة الجالسون في بيت الهندي إلا وهم داخلون عليهم برمته فغسلوه وكفنوه ومشوا في جنازته وذهبوا إلى منازلهم وأنفض الجميع‏.‏

وركب ذو الفقار ومن معه وطلعوا إلى القلعة وتمموا أغراضهم‏.‏

وكان المترجم سليم الصدر وعنده الحلم والعفة وسماحة النفس وتولى كشوفية الغربية والمنوفية وبنى سويف ونظر الخاصكية بأمر سلطاني قيد حياته‏.‏

فلما ترأس محمد بك جركس وابن أستاذه محمد بك ابن أبي شنب الدفتر دارية نزعها منه فورد بذلك مرسوم من الدولة بالتمكين للمترجم بنظر الخاصكية وألبسه محمد باشا قفطانًا بذلك فلم يمتثل محمد بك ابن أبي شنب ولم يمكنه منها فورد بعد ذلك مرسوم كذلك بتمكين علي بك فلبسه علي باشا قفطانًا وبعث إلى محمد بك يطلب منه المفاتيح فوعده بذلك‏.‏

ثم أحضروها له بسعي رجب كتخدا ومحمد جاويش الداودية فأعطاها إلى علي بك فركب بصحبة الأغا المعين ونائب القاضي ومن كل بلك واحد وفتحوا الخاصكية فلم يجدوا فيها شيئا فأخذ حجة بذلك‏.‏

وكان موت المترجم في أوائل سنة 140‏.‏

ومات الأمير ذو الفقار بك قانصوه وهو تابع قانصوه بك الكبير الايواظي القاسمي تقلد الإمارة والصنجقية في سابع شعبان سنة 1128 ولبس عدة مناصب كثيرة مثل كشوفية بني سويف والبحيرة‏.‏

ولما حصلت الحوادث وقتل اسمعيل بك ابن ايواظ أعتكف في بيته ولازم داره ولم يتداخل معهم في شيء من الأمور فلما تعصب ذو الفقار بك ومحمد بك قطامش ومن معهم على قتل علي بك الهندي وإخماد فرقة القاسمية عزم على قتل ذي الفقار قانصوه أيضًا وأرسل إليه وأحضره إلى جامع السلطان حسن وهو لم يخطر بباله أنهم يغدرونه لانجماعه عنهم‏.‏

فلما أحضروا علي بك الهندي على الصورة المتقدمة وسحبوه إلى القتل فقال ذو الفقار بك‏:‏ خذوا هذا أيضًا وأشار إلى المترجم لحزازة قديمة بينهما أو لعلمه بأنه من رؤساء القاسمية وقاعدة من قواعدهم‏.‏

فقال لهم‏:‏ وما ذنبي خذوا عني الأمرية والبلاد ولا تقتلوني ظلمًا‏.‏

فلم يمهلوه ولم يسمعوا لقوله فسحبوه ماشيًا مع الهندي وقتلوهما تحت سبيل المؤمن بالرميلة و كان إنسانًا عظيمًا وجيهًا منور الشبيبة عظيم اللحية رحمه الله تعالى‏.‏

ومات الأمير محمد بك ابن يوسف بك الجزار تقلد الإمارة والصنجقية في شعبان سنة 1138 بعد واقعة محمد بك جركس وخروجه من مصر‏.‏

ولما قتل علي بك الهندي وذو الفقار بك قانصوه كان هو في كشوفية المنوفية فعينوا له تجريدة وعليها اسمعيل بك قيطاسن وأخذ صحبته عربان نصف سعد وكان قد وصل إليه الخبر فأخذ ما يعز عليه وترك الوطاق وأرتحل إلى جسر سديمة‏.‏

فلحقوه هناك واحتاطوا به وحاربوه وحاربهم وقتل بينهم أجناد وعرب وحمى نفسه إلى الليل‏.‏

ثم أحضر مركبًا فنزل فيها وصحبته مملوكان لا غير وفراش وأخراج وذهب إلى رشيد وترك أربعة وعشرين مملوكًا خلاف المقتولين‏.‏

فأخذوا الهجن وساروا ليلًا متحيرين حتى جاوزوا وطاق اسمعيل بك‏.‏

وتخلف منهم شخص فحضر إلى وطاق اسمعيل بك قيطاس فأخبره فأرتحل كتخداه بطائفة فردوهم وأخذوهم عنده فخدموه إلى أن مات‏.‏

ودخل محمد بك الجزار ثغر رشيد فاختفى في وكالة فنمي خبره إلى حسين جربجي الخشاب السردار فحضر إليه وقبض عليه وسجنه مع أحد المملوكين وكان الثاني غائبًا بالسوق فتغيب ولم يظهر إلا بعد مدة وأرخى لجنة وفتح له دكانًا يبيع ويشتري ولم يعرفه أحد‏.‏

وأرسل حسين جربجي الخبر إلى مصر مع الساعي إلى ذي الفقار بك ويستأذن في أمره بشرط أن يجعلوه صنجقًا ويعطوه كشوفية البحيرة عن سنة 1140 فأجيب إلى ذلك وأرسلوا له فرمانًا بقتل محمد بك الجزار وقتل مملوكه و أن يأتي هو إلى مصر وأعطوه مراده ومطلوبه‏.‏

ومع الفرمان أغا معين من طرف الباشا فقتلوا محمد بك ومعه مملوكه وسلخوا رؤوسهما‏.‏

ورجع بهما الأغا المعين إلى مصر‏.‏

ومات الأمير محمد بك ابن إبراهيم بك أبي شنب القاسمي تقلد الإمارة والصنجقية في حياة والده في سنة 1127 ولما توفي والده أنتقل إلى بيته الذي بالقرب من جامع اينال بالقرب من قناطر السباع وتولى عدة كشوفيات بالإقليم في أيام المرحوم اسمعيل بك ابن ايواظ‏.‏

وكان يحقده ويحسده ويكرهه باطنًا هو ومماليك أبيه وخصوصًا محمد بك جركس‏.‏

وأرادوا اغتياله وأوقفوا له في طريقه من يقتله ونجاه الله منهم فظفر بهم وأخرج جركس منفيًا إلى قبرص كما تقدم وسافر محمد بك المترجم بالخزينة فأغرى به رجال الدولة وأوشى في حقه وحصل ما تقدم ذكره وأيده الله عليهم أيضًا في تلك المرة‏.‏

ولما قتل اسمعيل بك واستقل محمد جركس فتقلد المترجم دفتر دار وصار أميرًا كبيرًا يشار إليه ويرجع إليه في جميع الأمور ولما عزلوا محمد باشا النشنجي تقلد المترجم أيضًا قائمقام وعمل الدواوين في بيته ولم يطلع إلى القلعة كعادة الوكلاء والنواب وقلد المناصب والأمريات في منزله وصار كأنه سلطان‏.‏

وكان على نسق مملوك أبيه محمد جركس في العسف وسوء التدبير ولا يخرج أحدهما عن مراد الآخر‏.‏

ولم يزل على ذلك حتى وقعت حادثة ظهور ذي الفقار وخرج محمد بك جركس ومن معه هاربين واختفى المترجم‏.‏

ثم أن جماعة من العامة وجدوه ميتًا بالجامع الأزهر‏.‏

ومات أيضًا عمر بك أمير الحاج تابع عبد الرحمن بك جرجا المتقدم ذكره انطوى إلى محمد بك جركس وأمره وجعله أمير الحاج في أيامه‏.‏

وكان غنيًا وصاحب فائظ كثير ومات في واقعة جركس‏.‏

ومات رضوان بك وهو من مماليك محمد بك جركس ويقال له رضوان الخازندار قلده الصنجقية وأخذ نظر الخاصكية من علي بك الهندي وأعطاها له‏.‏

وتنافس بسببها مع جركس وانجمع كل منهما عن الآخر مدة طويلة‏.‏

ولما وقع لجركس ما وقع اختفى رضوان بك المذكور عند يوسف بك زوج هانم فأخبر عنه وأخذه سليمان أغا وقتله فسمي لذلك يوسف الخائن‏.‏

ومات الأمير علي بك المعروف بالأرمني ويعرف أيضًا بالشامي وهو من أتباع ابن ايواظ وكان أمين العنبر ويعرف أيضًا بأبي العدب تقلد الصنجقية في عشري شهر القعدة سنة 1135 ولما أراد اسمعيل بك تأميره لم يجدوا له أمريه في المحلول‏.‏

فأنعم عليه الباشا بصنجقية كتخداه رعاية لخاطر ابن ايواظ‏.‏

ومات أيضًا مصطفى بك ابن ايواظ وهو أخو اسمعيل بك تقلد الإمارة والصنجقية أيام ظهور ذي الفقار كما تقدم وصار من الأمراء القاسمية المعدودين فلما أحضر الباشا علي بك الأرمني وقتله وأمر بالقبض على باقي الجماعة فقبضوا على مصطفى بك المذكور وأحضروه على حمار وصحبته المقدم تابعه فقتلوهما تحت ديوان قايتباي بعد قتل علي بك بيومين‏.‏

ومات الأمير صاري علي بك ويقال له علي بك الأصغر لأن صاري بمعنى الأصغر وهو من أتباع ايواظ بك تقلد الإمارة والصنجقية غاية شعبان سنة 1135 ولبس كشوفية الغربية ولما قتل ابن أستاذه اسمعيل بك إستعفى من الصنجقية وعمل جربجيًا بباب العزب واعتكف ببيته ولم يتداخل في أمر من الأمور ثم أعيد وسافرا أميرًا بالعسكر إلى الروم وتوفي بدار السلطنة سنة 141‏.‏

ومات الأمير أحمد كتخدا عزبان المعروف بأمين البحرين وكان من الأعيان المشهورين نافذ الكلمة وافر الحرمة‏.‏

وكان بينه وبين الأمير اسمعيل بك ابن ايواظ وحشة وكان يكرهه فلما ظهر اسمعيل بك خمدت كلمة المترجم واستمر في خموله ثم أنضم إلى اسمعيل بك وتحابب له وصار من أكبر أصدقائه‏.‏

وعمل باش أوده باشه ثم تولى الكتخدائية وعمل أمين البحرين ثالث مرة‏.‏

وسمعت كلمته ونمي صيته فلما قتل اسمعيل بك رجع إلى خموله‏.‏

ثم نفي إلى أبي قير بمعرفة اختيارية الباب وتعصب إبراهيم كتخدا أفندي عليه وكان إذ ذاك ضعيف المزاج فأرسلوا له الفرمان صحبة كمشك جاويش ومعه نحو المائتين نفر فدخلوا عليه منزله بدرب السادات مطل على بركة الفيل على حين غفلة وأركبوه من ساعته وهم حوله إلى بولاق وأرسلوه إلى أبي قير‏.‏

ثم أرسلوا له فرمانًا بالسفر إلى سفر العجم مع صاري علي وجعلوه سر دار العزب ومع الفرمان القفطان وفيه الأمر له بأن يجهز نفسه ويسافر من أبي قير إلى الإسكندرية‏.‏

وتوفي في سنة 141‏.‏

ومات الأمير علي بك قاسم وهو ابن أخي قاسم بك الصغير ويلقب بالملفق ولما مات قاسم بك بالبهنسا كما تقدم قلد محمد بك جركس عليا هذا الصنجقية عوضًا عن قاسم بك ونزل في منصبه وأعطاه فائظه‏.‏

ولم يزل أميرًا حتى خرج محمد بك جركس من مصر هاربًا وخرج معه من خرج واختفى المترجم فيمن اختفى ببيت امرأة دلالة في كوم الشيخ سلامة ومات به‏.‏

ومات الأمير رجب كتخدا سليمان الأقواسي و ذلك أنه لما انقضى أمر جركس قلدوا رجب كتخدا سر دار جداوي وجعلوا الأقواسي يمق وجهزا أمورهما وأحمالهما وخرجا إلى البركة ليذهبا إلى السويس فخرج إليهما صنجق من الأمراء وصحبته جاويش من الباب فأتياهما آخر الليل وقتلاهما وقطعا رؤوسهما وضبطا ما وجداه من متاعهما وسلماه لبيت المال بالباب‏.‏

ومات الأمير أحمد أفندي كاتب الروزنامة ابن محمد أفندي التذكرجي خنقه محمد باشا النشنجي في واقعة جركس وظهور ذي الفقار بك ولما خرج جركس من مصر هاربًا خرج معه إلى وردان وكان جسيمًا فانقطع مع بعض المنقطعين وأخذت ثيابهم العرب وقبضوا عليه وفيهم أحمد أفندي الروزنامجي وأتوا بهم إلى مصطفى تابع رضوان أغا وكان في الطرانة قائمقام‏.‏

فأخذهم وقتل منهم أن أناسًا وأرسل رؤوسهم وأرسل أحمد أفندي بالحياة فحضروا به إلى بيت الدفتر دار وهو راكب على ظهر حمار سوقي فأرسله علي بك الهندي الدفتر دار إلى ذي الفقار لم يلتفت إليه ولم يخاطبه وأرسله إلى الباشا فمثل بين يديه وكان يوم ديوانه وذلك بعد الواقعة بخمسة أيام فأرسله الباشا إلى كتخداه فبات عنده تلك الليلة ثم أرسله إلى كتخدا مستخفظان فحبسه بالقلعة وخنقوه تلك الليلة وأنزلوه إلى بيته فغسلوه وكفنوه ودفنوه‏.‏

ومات محمد جربجي المرابي وكان ذا مال عريض وضبط موجوده ألقي كيس ولم يعقب أولادًا إلا أولاد سيده وزوجته بنت أستاذه وأوصى لشخص يقال له عمر أغا بثلاثين كيسًا ولآخر بالفي دينار ولآخر بألف ولكل مملوك من مماليكه ألف دينار ولمجاوري الأزهر حمسمائة دينار‏.‏

توفي في عشرين رمضان سنة 1138‏.‏

ومات المعلم داود صاحب عيار خنقه محمد باشا النشجي بعد خروج محمد بك جركس فقبضوا عليه وحبسوه بالعرقانة وخنقوه وهو الذي ينسب إليه الجدد الداودية‏.‏

وفي سنة 1137 الماضية حضر من الديار الرومية أمين ضربخانة وصاحب عيار وصناع دار الضرب وصحبتهم سكة الفندقلي والنصف فندقلي وأن يكون عياره ثلاثة وعشرين قيراطًا وصرف الفندقلي مائة وأربعة وثلاثون نصفًا والنصف سبعة وستون فاحضر الباشا المعلم داود وطلب منه سكة الجنزرلي وأعطاه سكة الفندقلي وختم على سكة الجنزرلي في كيس وأودعها في خزانة الديوان‏.‏

وعندما سمع داود بهذه الأخبار قبل حضورهم إلأى مصر تدارك أمره وفرق علي الباشا وكتخدا الباشا ومحمد بك جركس والمتكلمين عشرين ألف دينار‏.‏

فلما قرئ المرسوم بالديوان قالوا سمعنا وأطعنا في أمر السكة وأما صاحب عيار فإنه لا يتغير فقال الباشا‏:‏ كذلك لكن يكون الأغا ناظرًا على الضربخانة لأجل أجراء المرسوم وتم الأمر على ذلك‏.‏

فلما عزل الباشا أجتمع الموردون للذهب عند المعلم داود وكلموه في إخراج سكة الجنزرلي لأنهم هابوا سكة الفندقلي وامتنعوا من جلب الذهب‏.‏

وتعطل الشغل فرشا قائمقام وأخرج له سكة الجنزرلي وسلمها لداود فأخذها إلى داره بالجيزة وعمل له فرنًا للذهب وأحضر الصناع والذهب من التجار وضرب في ستين يومًا وليلة تسعمائة وثمانين ألف جنزرلي ونقص عياره قيراطًا ودفع المصلحة وسدد ما عليه من ثمن الذهب وقضى ديونه وكشوفية دار الضرب‏.‏

فصارت الصيارف تتوقف فيه ويقولون ضرب الجيزة يعجز خمسة أنصاف فضة فنقمها محمد باشا على داود فلما عاد إلى المنصب في واقعة جركس وذي الفقار قبض عليه وقتله وذلك في أواخر جمادى الآخرة سنة 1138‏.‏

ومات الأمير أحمد بك الأعسر وهو من مماليك إبراهيم بك أبي شنب القاسمي تقلد الإمارة والصنجقية في عشرين شهر شوال 1123 وتلبس بعده مناصب مثل جرجا والبحيرة والدفتر دارية وعزل عنها وهو خشداش جركس وعضده وخرج معه من مصر ولما ذهب جركس إلى بلاد الإفرنج تخلف عنه وأقام عند العرب ونزل عند ابن غازي بناحية درنة‏.‏

فلما وصل الحاج المغربي أرسل معهم ثلاثة من مماليكه وأرسل معهم مكاتيب ومفاتيح إلى ولد وذكر له أنه يتوجه إلى رجل سماه له‏.‏

فلما وصلت السفينة التي نزلوا بها أعلم القبطان سردار مستحفظان فقبض عليهم وأرسل بخبرهم إلى باب مستحفظان فأخبروا الباشا فأحضروا إلى الشرطة وأمره بإحضار ابن أحمد بك الأعسر فأحضره فأمر بحبسه بالعرقانة فحبسوه وعاقبوه فأقر بأن المال عند ابن درويش المزين وهو كان مزين إبراهيم بك أبي شنب فأرسلوا إليه وهجموا عليه ليلًا وأخذوا كل ما في داره ووجدوا عنده ثلاثة صناديق للأعسر ثم نفوا بعد ذلك ابن أحمد بك إلى دمياط ولم يزل أحمد بك ينتقل مرة عند عرب درنة ومرة عند الهوارة بالصعيد وكذلك باقي جماعة جركس وخشداشينه حتى رجع إليهم جركس وخرجت إليهم التجاريد وقتل في الحرب سنة 1143‏.‏

ومات الأمير مصطفى بك الدمياطي قلده الصنجقية ذو الفقار بك بعد هروب محمد بك جركس وولاه جرجا وكان يقال له مصطفى الهندي فلما نزل إلى جرجا وكان بها سليمان بك القاسمي عدى سليمان بك إلى البر الشرقي تجاهه وصار كل يوم بعمل نشانا ويضرب الجرة فلم يتجاسر مصطفى بك على التعدية وكان غالب أتباع مصطفى بك وطوائفه قاسمية من أتباع المقتولين فراسلهم سليمان بك وراسلوه سرًا ثم أتفقوا على قتل مصطفى بك فقتلوه وغدروه ليلًا وأخذوا خزانته وما أمكنهم من متاعه وعدوا إلى سليمان بك وأنضموا إليه‏.‏

فلما أصبح مماليكه وخاصته وجدوا سيدهم مقتولًا فغسلوه وكفنوه ودفنوه‏.‏

وكتب كتخداه بذلك إلى ذي الفقار بك فلما وصل إليه الجواب أرسل إليه بالحضور بمخلفاته ومماليكه المشتروات ففعل ذلك وقلد عوضه حسن كاشف من أتباعه الصنجقية وولاية جرجا فأرسل قائمقامه ثم جهز أموره ونزل إلى منصبه‏.‏

ومات سليمان بك القاسمي المذكور آنفًا وذلك أيه لما رجع محمد بك جركس وسار إلى ناحية القطيعة ثم أنتقل إلى جهة الغرب قبلي جرجا فأرسل إلى المترجم يطلبه للحضور إليه بمن معه من القاسمية فعدى إليه بمن ذكر وصحبته قرا مصطفى أوده باشا فقابلوه وأرتحل معهم إلى بحري فبرز إليهم حسن بك وقتل كما ذكر وأستولى جركس على صيوانه ومطابخه وعازقه وأرتحل جركس ومن معه إلى بحري وخرجت إليهم التجاريد وأميرها عثمان بك وعلي بك قطامش فتلاقوا معهم بوادي البهنسا ووقعت بينهم الحروب‏.‏

وكان مع جركس طوائف الزيدية وخلافهم وأنجلت الحرب عن هزيمة المصريين وأستولى جركس ومن معه على خيامهم ونزل جركس في وطاق عثمان بك وسليمان بك المترجم في وطاق علي بك ورجع المنهزمون إلى مصر وزحف جركس ومن معه إلى ناحية دهشور وخرجت لهم التجريدة ونصبوا تجاههم فأصبح سليمان بك وتهيأ للركوب والمحاربة فمنعه جركس وقال له‏:‏ هذا اليوم ليس لنا فيه حظ‏.‏

فقال له‏:‏ كيف أصب على القعاد والراية البيضاء أمامي ثم ركب وهجم على التجريدة وقتل أناسًا كثيرا وشتتهم وأنحازوا خلف المتاريس وردوه بالمدافع وبرزوا إليه مرتين وهزمهم وفي الثالثة أصيب جواده برصاصة في فخذه فسقط إلى الأرض فتحلقت به طوائفه ومماليكه وذهب بعض الخدم ليأتي إليه بمركوب آخر وتابع الأخصام الرمي حتى تفرق من حوله ولم يبق معه سوى مملوك وآخر من الطوائف فأصيب هو الطائفة فوقعا‏.‏

فهجم عليه سالم بن حبيب وأخذوهما إلى الصيوان وقطعوا دماغهما ودفنوهما عند الشيمي فلما وقع لسليمان بك ما وقع أرتحل جركس وسار نحو الجبل‏.‏

ومات قرا مصطفى جاويش وكان أوده باشا فلبسه جركس الضلمة في أيام رجب كتخدا مستحفظان سابقًا ثم عمل كجك جاويش ونزل يجمع عرائد الباب من الوجه القبلي فوقع بمصر ما وقع من حروب جركس وقتل رجب كتخدا والاقواسى فالتجأ إلى سليمان بك المذكور وعدى صحبه الشرق فلما وقعت الحروب وقتل سليمان بك أجتمع إليه الطوائف القرابة ونزل بهم المراكب وساروا إلى قبلي فتبعه عثمان جاويش القازدغلي ليلًا ونهارًا حتى لحقه وهو راسي تحت أبي جرج وكانت الأجناد الذين بصحبته طلعوا جهة الشرق قرابة من عدم القومانية فقبضوا على مصطفى جاويش المذكور ومعه ثلاثة من الغزنهب عثمان جاويش ما وجدوه في المراكب وحضر إلى مصر فقطعوا رأس مصطفى جاويش المذكور ومن معه‏.‏

ومات الأمير ذو الفقار بك الفقاري وهو مملوك عمر أغا من أتباع بلغية قتل سيده المذكور بعد انفصال الفتنة الكبيرة‏.‏

ولما طلع الأمير اسمعيل بك أثر ذلك إلى باب العزب وقتل حسن كتخدا برمق سرو أمر بقتل عمر أغا المذكور فقتلوه عند باب القلعة وأمر بقتل المترجم أيضًا وكان إذ ذاك خازنداره فالتجأ إلى علي خازندار حسن كتخدا الخلفي وكان من بلده فحماه وخاصم أستاذه من أجله وخلص له نصف قمن العروس وكانت لاستاذه فأخرج له تقسيطها وأخذ النصف الثاني اسمعيل بك من المحلول وتصرف في كامل البلد ومات حسن كتخدا الجلفي فانطوى المترجم إلى محمد بك جركس وترجاه كي استخلاص فائظه من اسمعيل بك وكلمه بسببه مرارًا فلم ينجح‏.‏

وكلماخاطبه في أمره قطب وجهه وقال له‏:‏ أما يكفيك أني تاركه حياء لأجل خاطرك فإن أردت قبول شفاعتك فيه أطرد الصيفي من بيتك وأرسل إلي بعد ذلك المذكور يحاسبني وأعطيه الذي له‏.‏

فيسكت جركس وضاق الحال بالمترجم من الفشل والأعدام فاستأذن جركس في غدر ابن ايواظ فقال أفعل ما تريد فوقف له مع نظرائه بالرميلة وضربوا عليه الرصاص فلم يصيبوه ووقع بسبب ذلك ما وقع لجركس وأخرج من مصر ونفي إلى قبرص كما تقدم وتغيب المترجم فلم يظهر حتى رجع جركس وظهر أمره ثانيا وعاد إلى طلب فائظه والألحاح على جركس بذلك وهو يسوفه ويعده ويمنيه ويعتذر له إلى أن ضاق خناقه وعاد إلى حالة الغدر الأولى وفعل ما تقدم من المخاطرة بنفسه وقتله لابن ايواظ بمجلس كتخدا الباشا وكان إذ ذاك من آحاد الأجناد ولم يتقدم له إمارة ولا منصب فعندها قلده الصنجقية وكشوفية المنوفية وأخذ من فائظ اسمعيل بك عشرين كيسًا وأنضم إليه الكثير من فرقة الفقارية وحقد عليه القاسمية وحضر رجب كتخدا ومحمد جاويش الداودية عند كركس وتذاكروا أمر ذي الفقار وأنهم نظروه وهو خارج بالموكب إلى كشوفية المنوفية ومعه عصبة الفقارية وامراؤهم راكبين في موكبه مثل مصطفى بك بلغيه ومحمد بك أمير الحاج واسمعيل بك الدالي وقيطاس بك الأعور واسمعيل بك ابن سيده ومصطفى بك قزلار وغيرهم وقالا له أن غفلنا عن هذا الحال قتلتنا الفقارية فحركا فيه حمية الجاهلية وقتلا أصلان وقبلان بيد الصيفي وطلب من محمد باشا فرمانا بالتجريد على ذي الفقار فامتنع الباشا من ذلك وقال‏:‏ رجل خاطر بنفسه وفعل ما فعله باطلاعكم فكيف أعطيكم فرمانًا بقتله‏.‏

فتحامل جركس على الباشا وعزله وقلد محمد بك ابن أستاذه قائمقام وأخذ منه فرمانًا وجهز التجريدة إلى ذي الفقار وكتب بذلك مصطفى بك بلغيه إلى ذي الفقار يخبره بما حصل ويأمره بالإختفاء ففعل ذلك وحضر إلى مصر واختفى أحمد أوده باشا المطر باز أياما وعند علي بك الهندي زيادة عن شهرين وحصل له ما تقدم ذكره من حضور علي باشا والقبطان وقيام الايواظية والفقارية وظهور ذي الفقار ووقوع الحرب بينهم وبين محمد بك جركس وخروجه من مصر وذهابه إلى بلاد الإفرنج ورجوعه وتجهيز ذي الفقار بك التجاريد إليه وهزمها وزحفه على مصر‏.‏

وقد كان أوقع بالايواظية في غيبة جركس ما أوقعه من القتل والتشريد ما ذكرناه فلما قرب جركس من أرض مصر راسل القاسمية سرًا ومنهم سليمان أغا أبو دفية وهم إذ ذاك خاملون ومتغيبون ومختفون وذو الفقار بك يفحص عنهم ويأمر الوالي والأغا والأوده باشة البوابه بالتجسس والتفتيش على كل من كان من القاسمية وخصوصا يعسوبهم سليمان آغا المذكور‏.‏

وقرب ركات جركس من مصر بعد ما كسر التجاريد وعدى إلى جهة الشرق وأشتد الكرب بذي الفقار وأجتهد في تحصين المدينة وأجلس أمراءه وصناجقه على الأبواب وفي النواحي والجهات ولازم أرباب الدرك والمقادم الطواف والحرس وخصوصًا بالليل وفتائل البندق مشعلة بالنار في الأزقة والشوارع والقاسمية منتظرون الفرصة والوثوب من داخل البلدة‏.‏

فلما راسل جركس سليمان أغا أبادفيه في الوثوب وأعمال الحيلة على قتل ذي الفقار بك بأي وجه أمكن توافقوا فيما بينهم على وقت معين وأجتمع أبو دفية وخليل أغا تابع محمد بك قطامش وجمعوا إليهم ثلاثين أوده باشا من القاسمية وأعطاهم إلفا ومائتي جنززلي وأن يضم كل واحد منهم إليه عشرة أنفار ويقفوا متفرقين جهة باب الخرق وجامع الحين وقت آذان العشاء وجمع إليه خليل أغا نحو سبعين نفرًا من القاسمية ولبسوا كملابس أتباع أوده باشه البوابه ومن داخل ثيابهم الأسلحة وبأيديهم النبابيت‏.‏

ولبس خليل أغا ثيئة الأوده باشا وزيه وكان شبيهًا به في الصورة وأخذوا معهم سليمان أغا أبادفيه وهو مغطى الرأس وبيده القرابينة ودخلوا إلى بيت ذي الفقار بك في كبكبة وهو يقولون قبضنا على أبي دفية وكان المترجم جالسًا بالمقعد ومعه الحاج قاسم الشرايبي وآخرون وهو مشمر ذراعيه يريد الوضوء لصلاة العشاء فلما وقفوا بين يديه وقف على أقدامه وقال أين هو فقال خليل أغا ها هو وكشفوا رأسه فأراد أن يكلمه ويوبخه فأطلق أبو دفية القرابينة في بطن الصنجق وأطلق باقي الجماعة ما معهم من الطبنجات فانعقدت الدخنة بالمقعد فنط قاسم الشرايبي ومن معه من المقعد إلى الحوش ونزلوا على الفور فوجدوا سراجه المسمى بالشتوي فقتلوه في سلالم المقعد وعلي بك المعروف بالوزير قتلوه أيضًا وهو داخل يظنوه مصطفى بك بلغيه وإذا بعلي الخازندار يقول بأعلى صوته الصنجق طيب هاتوا السلاح وسمعه الجماعة فكانت هذه الكلمة سببا لظهور الفقارية وانقراض القاسمية إلى آخر الدهر ولم يقم لهم بعدها قائم أبدًا فأنهم لما سمعوا قول الخازندار ذلك اعتقدوا صحته وتحققوا فساد طبختهم وخرجوا على وجوههم وتفرق جمعهم فذهب أبو دفية ويوسف بك الشرايبي وخليل أغا فاختفوا بمكان يوسف بك زوج هانم بنت ايواظ الذي هو مختفي فيه وأربعة من أعيانهم اختفوا في دار عند مطبخ الأزهر وأما الجماعة المجتمعون بباب الخرق في أنتظار آذان العشاء فما يشعرون إلا بالكرشة في الناس فتفرقوا واختفوا فلو قدر الله أنه أجتمع الواصلون والمجتمعون بباب الخرق وهم محرمون في صلاة التراويح لتم غرضهم وظهر شأن القاسمية ولكن لم يرد الله بذلك‏.‏

هم أن علي الخازندار أرسل إلى مصطفى بك بلغيه فحضر إليه بجمعه وإذا برجل سراج من العصبة المتقدمة حضر إليهم وعرفهم بصورة الواقع ليأخذ بذلك وجاهة عندهم فحبسوه إلى طلوع النهار فحضر عثمان جاويش القزدغلي ويوسف كتخدا البركاوي وعلي كتخدا الحلفي ومحمد بك قطامش وخليل أفندي جراكسة فغروا على الخازندار فقال علي الخازندار لمحمد بك قطامش‏:‏ دم الصنجق عندك فإن القاتل لستاذنا مملوكك خليل أغا فقال‏:‏ أنا طارده من يوم عزل من أغاوية العزب ووقت ما تجدوه إقتلوه ثم أحضروا ذلك السراج بين أيديهم وسأله عثمان جاويش فعرفه أنه ينكجرلاي فأرسلوه إلى الباب ليقرروه على أسماء المجتمعين ثم غسلوا الصنجق وكفنوه وصلوا عليه في مصلى المؤمنين ودفنوه بالقرافة وطلعوا إلى القلعة وقلدوه الصنجقية وقلدوا أيضًا صالح كاشف بابع محمد بك قطامش وعزلوا محمد بك من إمارة الحج باستعفائه لعدم قدرته‏.‏

وأرسلوا إلى خشداشة عثمان بك فحضر من التجريدة وسكن ببيت أستاذه وسكن علي بك في بيت محمد أغا تابع اسمعيل باشا في الشيخ الظلام وتزوج بزوجة سيده بعد ذلك وقطعوا فرمانًا في اليوم الذي تقلد فيه علي بك الصنجقية بقتل القاسمية ومات محمد بك جركس بعد موت ذي الفقار كما ذكر وحضر برأسه علي بك قطامش وذلك بعد موت ذي الفقار بك بخمسة أيام‏.‏

وأنقضت دولة القاسمية وتتبعهم الفقارية بالقتل حتى أفنوهم وكان موت ذي الفقار وجركس في أواخر شهر رمضان سنة 1142 وكان الأمير ذو الفقار بك أميرًا جليلًا شجاعًا بطلًا مهيبًا كريم الأخلاق مع قلة أيراده وعدم ظلمه وكان يرسل اليلكات والكساوي في شهر رمضان لجميع الأمراء والأعيان والوجاقات ويرسل لأهل العلم بالأزهر ستين كسوة ودراهم تفرق على الفقراء المجاورين بالأزهر ومن أنشائه الجنينة والحوض ببركة الحاج والوكالة التي برأس الجودرية ولم يتمها‏.‏ ومات